المجنونة عادت

ـ1ـ
هذا العنوان لم أكتبه أنا
"فافي" التي كتبته.
وكأنها تهزأ من صراخي المتواصل:
ـ مجنونة.. لا تذهبي الآن الى المستشفى
حيث الجرحى والقتلى..
الليلُ جاثمٌ، 
وقد نخسرك..
انتظري انبلاجَ الفجر.
ـ لا أريد فجراً لا يبزغ من عيون المصريين
لا أريد شمساً لا تشرق من جباههم.
"فافي"
مجنونة حقاً.
ـ2ـ
حرائق سيدني التي شرّدت الكثيرين
حين التهمت، كتنين كاسر، بيوتهم،
وقضت على أحلامهم..
اشتعلت كلها في قلبي..
وأنا أنتظر خبراً من "فافي".
كيف تجرؤ هذه الأم الضعيفة
على مواجهة الموت بابتسامة؟.
إما أنها مجنونة كما وصفتُها
أو "محروسة"
كأرض الكنانة!.
ـ3ـ
الساعة الخامسة صباحاً..
دقّاتُ قلبي تتباطأ..
لم تعد بعد..
هل نامت؟
مستحيل..
هل أصابها مكروه؟
بالطبع لا.. 
محروسةٌ هي!
أين "فافي"؟
ـ المجنونة عادت..
الأبرياء على أسرّتهم يتأوهون
لكن بسمةً استقرّت على وجوههم
حين رأوني..
أحدهم ظلّ ممسكاً بيدي
يرفض أن يتركها..
وضعها فوق صدره
المُدثّر بالضمادات،
وأنابيب المحلول تخترق وريده.
اسمه راضي..
علمت بعد قليل من الطبيب
أن رصاصة اخترقت كليته،
ولتوّه خرج من العمليات،
كان يرمقني بين اليقظة والنوم بتأثير البنج
ويقول لي من وراء الأنبوب في فمه:
"بحبك أوي"
قلتُ له:
سامحنا لما فعل السفهاءُ منا
فقال لي:
"أنتي بتعتذري"؟!
أنتِ ملاك"
تصور..
لماذا يقتلُ إنسانٌ إنساناً؟
بل كيف؟
بل بأي حقٍّ؟
هل هو الله؟
الله واهبُ الحياة، وهو وحده نازعُها؟
متى نصبح بشرا 
قل لي؟
ـ4ـ
أبكاني راضي..
أبكتني "فافي"..
أبكتني مصر..
لم أعد قادراً على التنفّس،
أجيبوها أنتم.
**